2014/12/14

منطق الهوى

"منطق الهوى"


في خضم الضغط الممارس عليه من قبل أسرته، لم يكن بوسع أحمد إلا التفكير مليا فيما وجب فعله حيال هذه المشكلة ليتملص من الفخ 
و يخلص أسرته من فكرة الارتباط هاته٠ صحيح أن الأمر لم يكن هينا و يسيرا عليه في ظل مشاغله المتعددة و ضآلة العلاقات الجدية التي أقامها حتى يجد سبيلا ينير طريقه المعتم و ذرائع ملموسة يحتج بها ويغير بوصلة أفراد أسرته في اتجاه فتاة تعلق بها و أراد أن يشاركها هموم حياته٠
 واقع الأمر يكذب تمثلات أحمد و تخميناته الواهية ،فالفترة الأخيرة لم تتح له فرصة لالتقاط أنفاسه و البحث عن الفتاة المناسبة نظرا لطبيعة عمله و بعد مقر عمله عن المدينة، فتقلصت مساحة اختياره داخل بؤرة اشتغاله و لم يجد بدا من الانفتاح على سلمى.
 كان أول لقاء جمع الطرفين في دهاليز المؤسسة، التقت النظرات و ابتسمت الشفاه و تبادلا حديثا مقتضبا في بضع كلمات معدودة بنوع من الاحترام المبالغ فيه كما هو معهود في رزنامة تقاليدنا عندما تصادف شخصا لأول مرة. بذل الشاب جهدا في سبيل الوصول إليها و إقامة معبر للتواصل الأبدي خصوصا وأن الجدولة الزمنية لم تفسح لهما المجال للقاء عدا صبيحة يوم السبت. لم تخف نظراته المتوهجة المشبعة بنزعة شهوانية لبلوغ جسدها و ملامسته ، فقد ظل وفيا لانتقاء فتيات يفقنه سنا لإشباع نوازعه، و في لحظة معينة انهمرت على باله فكرة التواصل سبرنطقيا مع سلمى وقتيا ريثما يسقطها في المحظور مع توالي الأيام.
 صحيح أن أحمد أعجب بأفكارها و مواقفها و نظرتها للحياة و بطريقة إدارتها لهذه المناقشات التي لا تعرف حدا أو نهاية، و لمس نوعا من الارتياح و الشعور بالذات في نفسية سلمى عند الخوض في مواضيع تنبش جوهر العلاقات الانسانية و إشكالياتها، فالرجل الفطن كما يؤمن هو من يشارك المرأة اهتماماتها و ميولاتها وإن كان لا يفقه في حيثياتها إلا القليل، و من ثمة يتسنى له التقرب منها بسرعة يصعب ترقبها. نال أحمد مراده و قرأ ملامح الإعجاب والانجذاب تطفو في عبارات سلمى، لكنها لا تقو على البوح بخلجات صدرها، عرف عندئذ أن الفتاة لا تحاكي شبيهاتها من الفتيات اللائي أسقطهن بنفس المنهاج، فلم تسعفه تضرعاته و رجاؤه لها على التوصل لاتفاق مبدئي يصون أول لقاء خارج إطار المؤسسة.
كان الرفض مبدأ انتهجته مع كلما دق باب اللقاء،  لكن ذلك لم يحبط عزيمته وظل على صلة وثيقة بسلمى،  فهو يجد لذة المحادثة معها قد تفوق طعم اللقاء غير المنشود ، توثقت العلاقة أكثر من السابق وإن كان من الصعب تحديد نوعها، لكن الظاهر يشهد على تلاحمها، و أضحى التواصل إلكترونيا و هاتفيا منذ بزوغ شمس أحدهما إلى انقضاء الثلث الأول من الليل .
 مع توالي الأيام والأسابيع استبعد أحمد أحاسيس الإثارة التي لا تكاد تطفو لديه عند رؤية جسد ناعم، اكتشف في سلمى حقيقة المرأة في بعدها المثالي، فكل شيء فيها يوحي بصلابة شخصيتها و صعوبة إخضاعها لأهواء النفس، كان لثقافتها الواسعة و محيطها المحافظ وقع على تكوين هذه البنية الفكرية القوية التي يستحيل اختراقها أو تغيير معطياتها، وإزاء هذه الشخصية الفذة وجد أحمد في الفتاة الوسيلة التي تبرر الغاية و ألبسها ثوب المنقد للخروج  من مأزق أسرته.
فكر في مناسبات عديدة أن يبوح و يعترف للفتاة بهذا الانجداب أو على الأقل أن يلمح لها الأمر، لكن بمجرد ما يود الدخول في صلب الموضوع حتى يرتبك و يعدل عن قراره و يرفعه إلى إشعار آخر. استمر على هذا النحو المتردد و تزايد ضغط أسرته لقبول الطلب خاصة و أن أحمد لم يقدم بديلا و استغرق في تعنته و تماطله أو بالأحرى تهربه من ابنة خاله، صحيح أنه يشهد في قرارة نفسه أن الفتاة طيبة محبوبة في أوساط العائلة ، فضلا عن بهاء خلقتها و خلقها لكن السذاجة و البداوة تغلبان على معظم تصرفاتها و أقوالها، ومن ثمة لا تتطلع لما يطمح إليه خصوصا عندما يلامس ذلك القصور الحاد في مخزونها الثقافي الذي قد يعرقل التوازن المطلوب في العلاقة الزوجية .
 الأيام تتعاقب والمأزق تزداد حدته، و لا يعرف أحمد كيف يتصرف أو ماذا يفعل، الحل أقرب إليه و أيسر لكنه يقتضي منه شجاعة مضاعفة تزيل عنه العذاب و السهر و الانتظار، و فجأة قرر أن يحسم أمره نهائيا. في لحظة تخيرها و اعتبرها مناسبة لإبلاغ الأمر حسب ما أملته عليه حالته النفسية، إذ استعد لها استعداد الجندي المقبل على الدخول في معركة لم تحسم نتائجها بعد، عرض خبر رغبته بالزواج على مرأى من عيني سلمى وهي تتفحص الكلمات بدقة و تتأكد من مصدر مرسلها ، شعر أحمد بالخوف و بدأ العرق يتصبب من جبينه و أخذ يرتجف و يتلعثم صوته وهو يحدث نفسه. لم تتوقع سلمى هذا الطلب و ربما قد حسمت فيه منذ أمد بعيد، او الأجدر أنها لم يخطر ببالها على الإطلاق، لكن الأغرب كيف تجرأ على التفوه بمثل هذا، استمرت لحظات الصمت و تعلقت روح أحمد بالكلمات التي ستكتبها سلمى، هذه الأحرف يمكن أن تخلصه من المأزق و تحييه أو تقتله و تجعله مستسلما طريحا للأمر المستبد. بعدها جاء الجواب الشافي متضمنا عبارات صادمة تنبئ بالرفض المطلق و تتحجج بدواعي اجتازتها فصول عصرنا الحالي، بعدها لفظت كلمة الوداع و انقطع الاتصال نهائيا .
 تذكر أحمد أن الكلمة في غير مكانها و وقتها المناسبين خسارة مؤكدة ، لم ينم تلك الليلة و لازمته  أحاسيس الاكتئاب و الانهيار، فقد انتزع منه أغلى الممتلكات  التي ظن أنها ستبيد بجواره طوال حياته .. لم يستسغ مرارة ذلك النبأ الصاعق . عاتب كل العتاب قلبه الذي ارتبط خطأ و عشق سهوا و مات رمزا،  رفع الراية البيضاء 
.......   لإرادة القدر الذي لا يرد
الكاتب: ع . ا
لاتبخلوا بمشاركة الموضوع مع أصدقائكم

0 commentaires:

أترك تعليقك أو ملاحظتك هنا Laissez vos commentaires et vos remarques ici